في الوقت الذي تشهد فيه البشرية، تقدماً مذهلاً في مجال العلوم والصناعة والتكنولوجيا، لم تتمكن المجتمعات الإنسانية حتى اليوم، تجاوز قضايا مؤلمة جداً، ذات بعد ثقافي – اجتماعي، مثل مسألة التحرش الجنسي والاعتداءات التي تطال النساء، على مستوى العالم وليس ضمن مجتمعات معينة فقط، وإنما بنسب متفاونة.
الدراسات العلمية لمنظمة الصحة العالمية، تبيّن أن 35% من النساء على الصعيد العالمي قد تعرضن لعنف جسدي أو جنسي ومن ضمنه التحرش، بينما في الولايات المتحدة فإن 83% من الفتيات اللاتي تراوح أعمارهن بين 12 و16 عامًا شهدن نوعًا من التحرش الجنسي في المدارس العامة! في حين تعاني واحدة من كل خمس نساء تراوح أعمارهن بين 16 و59 عامًا من بعض أشكال العنف الجنسي في إنكلترا.
أما في العالم العربي، فالأرقام مخيفة والواقع شديد الانحدار عالرغم من عدم وجود دراسات حديثة، ولكنا نجد ضمن دراسة ميدانية لوكالة رويترز عام 2010 في قضايا التحرش الجنسي بمواقع العمل، تم الكشف عن أن السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة شملتها الدراسة و12 ألف امرأة شملتها العيّنة، وأن 16% من العاملات بالسعودية يتعرضن للتحرش من رؤسائهن في العمل، في الوقت الذي يتعرض طفل سعودي واحد من بين كل أربعة لهذا الاعتداء، وأن 49% ممن هم في سن 14 تعرضوا للتحرش الجنسي حسب إحصائيات من كلية التربية في جامعة الملك سعود، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 26% في الهند، وأدناها في السويد 3%، فيما تصنف مصر من أسوأ دول العالم في نسب التحرش بالنساء، بحسب “واشنطن بوست”، حيث تتعرض 83% من النساء المصريات لشكل من أشكال التحرش.
حالة لبنان
أما في لبنان وعالرغم من جهود المجتمع المدني الحثيثة لمكافحة هذه الظاهرة، والتوعية حولها إلا أن المديرية العامة لقوى الامن والمنظمات المختصة، لا تزال تتحدث عن ارتفاع في نسب التحرش، في ظل وجود عشرات آلاف حالات التحرش التي لم يبلغ عنها رسمياً، نتيجة هيمنة عادات وتقاليد تدين الفتيات بدلاً من أن تحميهم، ولكن إقرار الحكومة لمشروع قانون التحرش الجنسي وإحالته الى مجلس النواب في حزيران الماضي، بالتعاون مع المنظمات النسائية والنسوية، بالاستناد إلى التزامات لبنان بالإتفاقيات الدولية التي تهدف الى القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد النساء والفتيات يعد انتصاراً مبدئياً نحو الخطوة الكبيرة لوضعه قيد التنفيذ، ولكن يبقى الوعي الاجتماعي – الثقافي بخصوص هذه القضية هو المسألة الملحة والتي تتطلب نضالات طويلة الأمد.
ويبقى تمكين المرأة واعطائها الفرصة لتطوير أدوات الوعي والحماية الخاصة بها، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، هي المهمة الأساسية التي تكافح من أجلها العديد من المنظمات الإنسانية حول العالم ومن ضمنهم مؤسسة عامل الدولية، التي خصصت منذ نشوئها برامج تمكين تستهدف المرأة في مختلف البيئات والظروف.
“كلنا حدك”
في هذا الإطار، وتزامناً مع اليوم العالمي للفتاة التي أطلقته الأمم المتحدة في العام 2012، أطلق مركز صور الصحي – التنموي التابع لمؤسسة عامل حملة توعوية ضد التحرش بالفتيات، ضمن مشروع مؤسسة عامل “حماية الذات وتمكينها” المدعوم من منظمة Plan International ، بهدف نشر التوعية وتشجيع الفتيات على التصريح عن حالات التحرش التي يتعرضن لها، بالتوازي مع توعية المؤسسات الحكومية والمحلية على ضرورات الالتفات إلى اهمية هذه القضية التي تؤثر على مستقبل الفتيات وطاقاتهن واقدامهن على الحياة.
انطلقت الحملة بالتنسيق مع بلدية صور، في مقر البلدية بحضور عدد من أعضاء البلدية إضافة إلى ممثلين عن مؤسسة عامل و Plan International وفريق عمل المشروع، حيث تقدمت مديرة المشروع لمى نجا في كلمتها بشكر بلدية صور على جهودها لإتمام هذه الحملة ورعاية هذه القضية، وخصوصاً عضو البلدية والمسؤولة عن لجنة الطفل والمرأة السيدة رندا أبو صالح.
وقد أوضحت نجا في كلمتها التي تناولت أبعاد آفة التحرش على عدة مستويات، أن اختيار هذا الموضوع جاء من قبل الفتيات المشاركات في المشروع، بعد عدة إجتماعات وجلسات تشاور، ليتبين أنه واحدة من أبرز المشكلات اللواتي يعانين منها في محيطهن.
وقد خططت الفيتات بأنفسهن لهذا النشاط، واتخذن القرار بشأن الخطوات التنفيذية، وذلك ضمن إطار إعدادهن القيادي ليكن مؤثرات في مجتمعهن وصاحبات مبادرات، وهو بحسب مديرة المشروع، أحد أبرز الأهداف التي يسعى لها على المدى المتوسط والطويل، ولذلك كان إحدى شعارات النشاط GirlsTakeOver.
وقد تضمن لقاء إطلاق الحملة في البلدية، إجتماعاً بين الفتيات ومجموعة من شرطة البلدية، بعد أن إفتتحت النقاش فتاتان مشاركتان، قامتا بداية بإدارة مباحثات اللقاء، وطرحتا بأنفسهما جوانب مشكلة التحرش، تعريفها وأنواعها، معبرين عن استيائهن وحزنهن تجاه تزايد هذه الظاهرة. وحاولن في مداخلتهما، لفت نظر أعضاء شرطة البلدية، إلى أهمية دورهم في الحد من هذه المشكلة، ليتم بعد ذلك بطرح العديد من الحلول التي ستساهم بحماية الفتيات وزيادة الشعور بالطمأنينة.
شرطة البلدية تآزر الفتيات
بعد انتهاء اللقاء، رافق أعضاء من شرطة البلدية الفتيات المشاركات، لتوزيع منشورات وعصبات أيدي بيضاء على المارة، تحمل عبارتي “لا للتحرش” و”ما تخافي كلنا حدك” في موقعين ضمن مدينة صور، بهدف نشر الوعي بين مختلف شرائح المجتمع، إضافة إلى تشجيع الفتيات على التبليغ في حال مواجهة هذه المشكلة، حيث تضمن المنشور عبارات: “ما تخافي كلنا حدك، أنا مسؤول؟ كلنا مسؤولين، احكي وضوي عالغلط، ما تبرر ما في عذر، والخ”.
“حماية الذات وتمكينها“
وكانت مؤسسة عامل قد أطلقت مشروع “حماية الذات وتمكينها في مراكزاها الصحية – التنموية الثلاثة (صور – البازورية – الخيام) مشروعاً لـ ” بالتزامن مع يوم اللاجئ العالمي، عام 2018، بالتعاون مع منظمة Plan International .
يعمل هذا المشروع الإقليمي (لبنان – الأردن – مصر) من أجل تحسين حياة 3 فئات عمرية اجتماعية، المراهقين، الشباب، وأهاليهم، بحيث يعمل معهم على عدة مستويات، ابتداءاً بعملية الاستقطاب والتوعية على قضايا محورية في بناء الإنسان، مثل الصحة الإنجابية والجنسية، قضية تزويج القاصرات، كيفية تطوير اسلوب صحي في التعامل مع المراهقين وغيرها من المسائل التي تتطلب جهوداً في مجال التوعية والمناصرة.
ويهدف المشروع إلى دعم بيئة حاضنة لحقوق المرأة والفتيات الصغيرات، ومناصرة لحقوقهن في التعليم والحد من ظاهرة التزويج المبكر، عبر تحويل الفتيان والرجال المستهدفين ضمن المشروع إلى مساهمين أساسيين وداعمين في الحفاظ على صحة المرأة والأسرة على حد سواء، حيث يتضمن نشاطات تدريبية للعمل والتشبيك مع المؤثرين والمساهمين في البيئات المحلية التي يُنفذ فيها، بهدف استثمار قدرتهم على التأثير والحوار مع ابناء المجتمع واللاجئين على حد سواء في نشر التوعية وحماية النساء والفتيات.
سيكتسب المشاركون في المشروع، إلى جانب المعلومات والتوعية حول القضايا المذكورة، مجموعة إضافية من مهارات التواصل الإيجابي وحل النزاعات، وذلك للمساهمة في عملية اندماج اللاجئين والمحليين في بيئة أكثر تناغم وتفهم متبادل، بالتوازي مع العمل على تمكين فئة الشباب بالتعبير عن قضاياها وارائها باستخدام الإبداع.