الإثنين, مارس 18, 2024
[vc_custom_heading text=”الرؤية والاستراتيجية” font_container=”tag:h2|text_align:right” google_fonts=”font_family:Cuprum%3Aregular%2Citalic%2C700%2C700italic|font_style:400%20regular%3A400%3Anormal”]

إن الرؤية التي تقود مؤسسة عامل الدولية، في العمل الاجتماعي– الإنساني، مستمدة بالأساس من التجربة الميدانية ومستنبطة من حاجات وخصوصية المجتمع اللبناني الذي نشأت فيه، الأمر الذي أعطاها طيلة العقود الماضية، القدرة والليونة على إحداث التغيير ونشر بذوره في مختلف الميادين والأجيال.

لا ترى عامل أن هناك أي إمكانية لصناعة التغيير في العالم العربي، عبر قوالب مستوردة من المجتمعات الأخرى، وخصوصاً الغربية، ذلك أن بنية كل مجتمع تتطلب أدوات مختلفة ومدروسة لمعالجة مشكلاته وحاجاته، وقد راكمت خلال تجربتها الطويلة خبرات ونظرة عميقة في المشكلات والأزمات الاجتماعية التي يعاني منها لبنان، ولاحقاً استطاعت تكوين فكرة عملانية حول النسيج الاجتماعي للاجئيين السوريين والعراقيين..الخ، والنفوذ عبره لإيجاد جسور تواصل مع المجتمع المضيف، عبر ترويج ثقافة المواطنة والحقوق المدنية، بعد ان قدمت مليون ونصل المليون خدمة لهؤلاء اللاجئين خلال السنوات الماضية.

وعلى الرغم أن نشوء عامل يعود إلى حاجة المجتمع اللبناني، بعد الاحتلال الاسرائيلي والحرب الأهلية، إلى جهة إنسانية، تقوم بإسناد كافة شرائح المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم المناطقية أو الدينية، أو السياسية، فإن توجه المؤسسة لتوسيع نطاق خدماتها لتشمل التنمية الاجتماعية الشاملة، كان أمراً ملحاً حتى أثناء الحرب، ذلك أن بناء إنسان معافى في جسده وفي روحه وعقله بالتوازي، هو السبيل لبناء مجتمع أفضل.

وقد أخذت الظروف الاجتماعية والسياسية تسوء على الرغم من انتهاء الحرب الأهلية، لكن الأزمات البنيوية في المجتمعات لا تسقط بالتقادم، لذلك لم تستلم مؤسسة عامل في ظل هذا الواقع القاسي، الذي يعاني منه الشعب اللبناني، الذي لجأ إليه أهلنا الفلسطينيون والسوريون والعراقيون والسودانيون والمصريون وغيرهم.. ومن كل ما كابده من عنف وقتل وتدمير، فقد ساهمت بنى المجتمع المدني، وفي المقدمة مؤسسة عامل، الجمعية المدنية /غير الطائفية، في منع تفكك المجتمع اللبناني، وأن تبقى قوة الحياة أقوى من أي شيء آخر، وفي أن يبقى الحلم الذي تسعى إلى تحقيقه، عبر الحراك المدني، ومختلف الوسائل المتاحة في بناء دولة – مدنية – ديمقراطية، دولة المواطن_الإنسان، بمعزل عن الخيارات السياسية والثقافية، وهذا ما دأبت عامل على تجسيده منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، مما جعلها تستحق ترشيحها لأكثر من جائزة عالمية وفي مقدمتها جائزة نوبل للسلام لهذا العام.

وإن هذا المجتمع الذي رفضت عامل الاستسلام لأزماته، لذلك خصصت المؤسسة برامج متنوعة لتأهيل واحتواء كل فرد من الأسرة على حدى، وللأسرة مجتمعة في الوقت نفسه، معتمدة توجه مثلث الأضلاع: (خدمة – تنمية – حقوق).

فريق عمل مناسب

دأبت المؤسسة على تنظيم ورشات عمل تدريبية لفريق متطوعيها ومتفرغيها، لتهيأتهم للتعامل مع قضايا الناس، وتحويل طاقاتهم الكامنة إلى دوافع وآمال ايجابية للتغيير والتطوير في المجتمع، وبناء شخصيات قيادية، تأخذ المبادرات وتلعب دور المحرك في بيئاتها المحلية والاجتماعية، وذلك في ظل رفض مؤسسة عامل الانجراف وسط موجة بزنسةالعمل الانساني الشائعة في القرن الحادي والعشرين، الذي يقوم على العمل التقني البحت، دون أعطاء أي أهمية للجوانب الانسانية والاجتماعية من القضايا التي تحيط بهم.

المسار التاريخي لعامل

لقد استطاعت قيادة المؤسسة، وفي ضوء تراكم التجارب النضالية والملتزمة بقضايا بسطاء الناس، أن تضع الخطة المناسبة في الظرف المناسب، والاستثمار المتواصل في الكادر البشري، إذ باتت عامل في السنوات الأولى من مرحلة التأسيس من كبريات الجمعيات في لبنان، وبات لديها إبان الغزو الاسرائيلي عام 1982 وحصار بيروت الغربية والضاحية الجنوبية من قبل العدو الصهيوني، والتي كانت بمثابة الانطلاقة الفعلية لعامل على مستوى الوطن،( ثلاثة مستشفيات ميدانية و27 مركزاً صحياًاجتماعيا تنموياً و30 سيارة اسعاف وإرسال 1200 جريحاً للعلاج في الخارج وتركيب 400 طرف اصطناعي لمعاقي الحرب.)

ولقد تمكنت وبسرعة أن تحظى المؤسسة بسمعة طبية وتقدير لانجازاتها على الصعيدين المحلي والدولي، وتمكنت من بناء شراكات مع منظمات دولية وغير حكومية في فترة وجيزة من الزمن، أثناء مرحلة الطوارئ العالية الخطورة في تلك الفترة، والقدرة على وضع الخطة الملائمة لمواجهة نتائج العدوان الاسرائيلي والحرب الأهلية.

وفي ظل محدودية عدد الهيئات الانسانية التي انخرطت في العمل الميداني في هذه المرحلة الخطيرة والمفصلية، دفع العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات الأمم المتحدة وبعض الحكومات إضافة إلى الوزارات المعنية في لبنان، أن تنسق مع عامل وباقي منظمات المجتمع المدني النشطة إبان العدوان الاسرائيلي، وان أهم ما ميّز تلك الحقبة التاريخية، التزام المنظمات الانسانية بقضايا الشعوب العادلة وفي المقدمة القضية الفلسطينية، اذ كان العالم منقسم الى معسكرين اشتراكي ورأسمالي، وان حركات التحرر الوطني من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا الجنوبية إلى فيتنام والصين وفلسطين وظفار في الجزيرة العربية واليمن الجنوبي، وكان العديد من المنظمات الانسانية الدولية يتضامن مع هذه الحركات، إذ تأسس في تلك الفترة في أوروبا وفي إطار اليسار جمعية اطباء بلا حدودوأطباء العالموالتي بنت علاقة وثيقة مع جمعية النجدة الاجتماعية في المخيمات الفلسطينية وعامل في المناطق الشعبية اللبنانية، فمن روحية التضامن والالتزام بقضايا الشعوب العادلة، والتقدير العالمي لدور المنظمات المحلية التي قبلت كل التضحيات في مرحلة الخطر الشديد، كان العمل الإنساني في تلك المرحلة نضالياً وملتزماً بالعمل مع الفئات الشعبية.

ولقد شكلت عامل أنموذجاً على الصعيد المحلي والدولي بالالتزام بالانسان، كل إنسان بمعزل عن خياراته السياسية والدينية والجغرافية، مما مكنها من العمل في أخطر المناطق وعدم التعرض لمراكزها خلال احتراب الإخوةالأعداء لأنها لم تكن مرة فئوية أو تميز بين شخص وآخر خلال نشاطاتها وبرامجها في مختلف المناطق الشعبية.

انعكاسات الحرب السورية

لا شك أن الحرب السورية المؤلمة التي أحدثت منعطفا سياسيا واجتماعيا في المنطقة وخصوصاً في لبنان، أثرت بشكل مباشر على الواقع اللبناني وفي هذا السياق أعدت مؤسسة عامل وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني خطة طوارئ عام 2012 للاستجابة لهذه الكارثة التي يتمل لبنان جانبا ضخما منها، فلم يحدث قط منذ مجزرة رواندا عام 1994 أن اضطر بلد بحجم لبنان وحجم أزماته إلى استضافة هذا العدد الهائل من اللاجئين، في ظل ضعف الدعم الدولي للاجئين وللمجتمع المضيف على حد سواء.

وقد تمكنت عامل عبر برامجها، أن تقدم حتى اليوم المليون ونصف المليون خدمة للنازحين السوريين، بالتوازي مع الخدمات والبرامج التي تنفذها مع المجتمع اللبناني بشكل أساسي، واللاجئيين العراقيين وغيرهم من الفئات التي لجأت إلى لبنان طلباً للأمان والحياة.

لقد استطاعت عامل أن تحتوي جزءا من انعكاسات هذه الأزمة على لبنان عبر برامجها وعملها سويا بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية والدولية، وتجدر الغشارة إلى أن الوضع في ظل وجود هذا العدد من النازحين في لبنان بأنه كارثي ومتفجر، خصوصاً أن 70% من اللاجئين هم تحت خط الفقر اللبناني، ويتوزعون على 1450 بقعة انتشار و1700 مخيم عشوائي. وأن 15-30% فقط ممن في عمر التعليم (400 ألف) يذهبون للمدارس، تؤمن المنظمات الدولية بالتعاون مع الأمم المتحدة برامج تعليم لحوالي 150 ألف منهم ووعدت بتأمين 150 ألف إضافية إلى أنه مع ذلك وفي حال تغطية الخمسين ألف الإضافية فإن 200 ألف طفل سيبقون بلا تعليم، وهو ما يهدد مستقبل سورية ولبنان معاً، كما خلقت الازمات في لبنان عملية تنافس مباشرة بين المجتمع المضيف واللاجئين الذين يقدر عددهم بمليون ونصف بحسب الحكومة اللبنانية في كافة ميادين الحياة من فرص العمل إلى السكن إلى المياه والكهرباء وكل الحاجيات الأخرى في ظل غياب الدعم الدولي للمجتمع المضيف الذي يعاني أصلاً ثلث سكانه من الفقر ومن عدم الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماية الكاملة.

وبانتظار الحل السياسي، أدركت قيادة المؤسسة أـنه حان الوقت من الانتقال من خطط الطوارئ إلى خطط التنمية، بعد حوالي 6 سنوات من أزمة النزوح الخانقة، وكان لعامل تجربة مميزة في هذا الإطار.