عامل تداوي الجراح: عزّزنا قدراتنا بالاستجابة للطوارئ، ونعزّزها اليوم أكثر لمواجهة نتائج الحرب، ونطوّر برامج التضامن المجتمعي نحو بناء المواطنة، الكرامة، والإنسانية

0
18

تتوجه مؤسسة عامل الدولية بالتحية والتقدير للشعب اللبناني على صموده وصبره طيلة الأشهر الماضية أمام أهوال الحرب الطاحنة التي حصدت آلاف الشهداء والجرحى ودمّرت أجزاء كبيرة من لبنان. هذه المأساة جاءت في ظل جراح مفتوحة وحزن عميق على ما حلّ بالشعب الفلسطيني في غزة، حيث ما زالت الإبادة المتلفزة مستمرة حتى اليوم.

إننا نشعر بالفرح والأمل لرؤية اللبنانيين يعودون إلى مناطقهم، حتى تلك المدمرة، في رمزية تعكس حب الحياة والتمسك بالأمل فوق الركام. لقد كان لفريق مؤسسة عامل شرف الوقوف إلى جانب الناس، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية ووزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية ولجنة إدارة الطوارئ والهيئات الدولية، ضمن التجمعات ومراكز الإيواء، عبر العيادات النقالة والمراكز التي لم تغلق أبوابها طيلة الحرب، ومنها مركزنا في صور الذي واصل تقديم الدعم حتى اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار.

بقيادة 2300 من العاملين والمتطوعين، ومن خلال 40 مركزاً و24 عيادة نقالة، ستواصل عامل مهمتها في تقديم الرعاية الصحية الأولية، الحماية، التعليم، والإغاثة، وكل ما ينضوي تحت تلك القطاعات عبر 15 برنامجاً. كما ستضع تعزيز اللحمة الاجتماعية ومواجهة خطاب التفرقة والتحريض على رأس أولوياتها، خصوصاً أن هذه الحرب كشفت عن الحس التضامني العالي بين اللبنانيين رغم محاولات بعض الأطراف زرع الكراهية وزعزعة السلم الاجتماعي. لقد كان الحس الوطني أقوى من مشاريع التفرقة، وهذا أمر يجب البناء عليه.

وكذلك، أظهر أهلنا النازحون صبراً رغم التضحيات الجسيمة من جانب، واستقبالهم برحابة صدر من الجانب الآخر، مما يشير إلى وجود بذور للتضامن الاجتماعي. فقد أثبتت هذه التجربة أن معاناة أهلنا في كل المناطق واحدة، وأن طيبتهم، بمعزل عن انتمائهم، هي نفسها. وهذا ما يجب أن نبني عليه. من أجل ذلك، أطلقت عامل برنامجاً جديداً، استلهمناه من هذا التضامن الاجتماعي، يحمل اسم “معاً من أجل بناء المواطنة وصون الكرامة الإنسانية”.

إن لبنان أمام فرصة حقيقية لتجديد العقد الاجتماعي على أساس المواطنة، العدالة، والمساواة. وقد أكدت تجربة النزوح مجدداً على أصالة الشعب اللبناني. عامل، الحركة الاجتماعية النهضوية التي بنت رؤيتها ورسالتها منذ 50 عامًا، ستواصل دورها الريادي في بناء الإنسان المواطن، كجزء من مشروع التغيير البنّاء. وهي تدعو كل المؤمنين بهذه القيم للانضمام إلى حركتنا واتخاذ المبادرات لتضميد الجراح.

تؤمن “عامل” بأن التعافي من آثار الحرب لا يقتصر على إعادة البناء المادي فقط، بل يشمل أيضًا النهوض بالإنسان وبالنسيج الاجتماعي وتعزيز الشعور بالانتماء والتضامن الوطني. لذا، ستعمل المؤسسة خلال المرحلة المقبلة على تنفيذ مبادرات تهدف إلى تمكين الشباب والنساء، وإعادة دمج المتضررين من الحرب في مجتمعاتهم، ودعم مشاريع تعزز العيش المشترك بين مختلف الفئات اللبنانية. كما ستطلق حملات توعوية لتشجيع الحوار والمصالحة، إيمانًا بأن بناء السلام يبدأ من تعزيز الثقة بين أبناء الوطن الواحد.

وستبقى مراكز عامل، وفرقها، وعياداتها النقالة الـ24، مسخّرة لخدمة الناس، وفق متطلبات كل مرحلة. وتقوم المؤسسة حاليًا بإعادة توزيع فرقها وترميم مراكزها المتضررة الـ14، بالتعاون مع شركائها لتوفير الموارد اللازمة. كما ستستمر البرامج في المراكز والمواقع المستحدثة خلال الحرب، مثل شمال لبنان ومنطقة جبيل، إلى أن تعود جميع مراكز المؤسسة الـ40 للعمل بكامل طاقتها، بشكل أفضل مما كانت عليه طيلة العقود الماضية.

إلى جانب ذلك، تعمل عامل على تعزيز الشراكات مع كافة القطاعات لدعم الناس في إعادة بناء حياتهم على كل المستويات، مع مواصلة حث المنظمات الدولية على تقديم الدعم اللازم للبنان، خصوصاً في ظل شح المساعدات وضعف قدرات الدولة اللبنانية.

تؤكد “عامل” أن رسالتها ثابتة مهما كانت الظروف، وإيمانها بقدرة الإنسان اللبناني على النهوض كطائر الفينيق راسخ لا يتزعزع. وهي على ثقة بأن الجيل الجديد، الحامل لقيم العدالة والمساواة، قادر على ترميم الجراح وبناء لبنان القوي بشعبه، واقتصاده، وإبداعه، وقدرته على التعايش واحتضان التنوع.

كما نتوجه بالشكر لفريقنا وكل العاملين في القطاع الإنساني الذين لم يتوانوا عن القيام بواجبهم حتى في أشد الظروف خطورة، لأن كرامة الإنسان هي سقفنا الأعلى.

إن مؤسسة عامل تطالب المنظمات الدولية بملاحقة الجرائم الإسرائيلية في لبنان أمام المحاكم الدولية، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية، البيئة، والمرافق الحيوية والأثرية، والانتهاكات ضد الفرق الإسعافية والمراكز الصحية والدفاع المدني. كما ستقوم المؤسسة برفع ملف شامل يوثق الأضرار التي لحقت بمراكزها، إيمانًا بضرورة إنفاذ العدالة ومحاسبة المعتدين. وتدعو المؤسسة الدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى المغتربين، للوقوف إلى جانب لبنان في ورشة إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، ودعم مؤسسات القطاع العام لكي تتمكن من توفير الحياة اللائقة للمواطنين.

كما نطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإيقاف عملية الإبادة اليومية، وتأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق. كما نأمل أن تتعافى سوريا الشقيقة بسرعة وأن تمارس دورها المحوري في المنطقة.