في تاريخ لبنان، محطات كثيرة برزت فيها بلدة الخيام الجنوبية، التي تزهو على تلة تصل بين لبنان، سوريا وفلسطين المحتلة. ارتبط اسم البلدة بأحداث كبرى، وأسماء لشعراء ومناضلين، كما كانت من أولى الأماكن التي أطلقت فيها مؤسسة عامل الدولية مهمتها الإنسانية في أعقاب الاجتياح الصهيوني واحتلال الجنوب.
وبالرغم من صعوبة العمل في تلك المرحلة، إلا أن “عامل” اتخذت قراراً بإطلاق المركز الصحي – التنموي حينذاك استجابة لحاجات أهالي بلدة الخيام والجوار، ليصبح في مقدمة الجهات التي تعمل على تنمية المنطقة وصون كرامة الإنسان ورعايته خلال كل المحن. العمل التطوعي تحت تلك الظروف لم يمكن أمراً سهلاً أو ميسّراً إذ تعرض الفريق التطوعي الصحي لكثير من المضايقات والاعتداءات، ولكن مساندة الناس في الوصول إلى حقوقهم وتأمين حاجاتهم الصحية والاجتماعية كان الهدف الأهم، وهو ما نسج علاقة مميزة جداً بين أهالي البلدة والجوار وفريق المركز الذي أضحى مساحة أمان لكل الناس.
تطور عمل المركز بشكل كبير بعد العام 2000، واستمر بالنمو حتى أضحى مركزاً معتمداً من وزارة الصحة العامة من ضمن مراكز الرعاية الصحية الأولية، خصوصاً بعد تعاظم دوره في تأمين الرعاية الصحية لأبناء البلدة ولعدد كبير من النازحين الذين قصدوا منطقة الجنوب في أعقاب اندلاع الأزمة السورية، حيث يحتضن الجنوب اليوم 102,197 لاجئاً سورياً وفقاً للمفوضية السامية للاجئين.
تفاقم الحاجة على المستوى المحلي وبين اللاجئين ساهم في توسيع البرامج المنفذة في المركز، وهي تشمل اليوم الرعاية الصحية الأولية، رعاية المسنين، تمكين المرأة والصحة الإنجابية، الأمن الغذائي، الدعم النفسي – الاجتماعي، والدعم التعليمي للأطفال اللاجئين. وقد بلغ عدد المستفيدين من تقديمات المركز خلال العام 2019 في المجالات الصحية 29531 مستفيداً بدعم من الشركاء والمانحين.
وهو مركز مزود بعيادة نقالة تصل إلى المناطق النائية والمهمشة في الخيام ومرجعيون، لتقديم الرعاية الصحية الأولية والدعم الاجتماعي لسكان تلك المناطق، حيث قدمت في العام الماضي 15654 استشارة طبية ما يعادل 22% من العدد الإجمالي للخدمات الطبية لمقدمة عبر عيادات عامل النقالة في لبنان، ويضاف إلى ذلك الباص التعليمي الجوال التابع للمركز والذي يعمل مع 600 طفل نازح ضمن المخيمات غير الرسمية في برنامج الدعم المدرسي.
مواجهة “كورونا” والظروف الاقتصادية
خلال جائحة فيروس كورونا، وكما في كل حالة طوارئ، وضع المركز كامل امكانياته في مواجهة تفشي المرض، على عدة مستويات، داخل المركز من حيث تأمين كافة اجراءات السلامة العامة وتخصيص غرفة عزل والاستمرار بالخدمات الصحية، بالتوازي مع حملة التوعية التي يقودها بالتعاون مع خلية الأزمة التي تشرف عليها البلدية داخل البلدة وضمن مخيمات النازحين على حد سواء، كما يتولى فريق المركز أخذ عينات لفحص فيروس كورونا من داخل مخيمات النازحين.
كما يعزز المركز حالياً العمل في نطاق تشجيع الناس للجوء إلى الزراعة، التي تشكل إحدى الحلول الابتكارية لمواجهة الظروف الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، نحو الوصول إلى أمن غذائي مستدام، سواء في مخيمات النازحين أو ضمن القرى والمناطق اللبنانية، وهو أمر ليس بالجديد، خصوصاً أن المشاريع التي تعنى بالزراعة لطالما كانت في صلب المهمة الأساسية لفريق عامل وخصوصاً في السنوات المنصرمة.
مسؤولة المركز السيدة ميسم حيدر تؤكد بأن الخطوط الأمامية وحماية الناس بأي ثمن هو الغرض الأساسي الذي نشأ المركز من أجله، خصوصاً أن المركز عايش الكثير من حالات الطوارئ والظروف الصعبة التي مرت على المنطقة في ظل الاحتلال والاعتداءات الصهيونية المتكررة.
كما تشرح السيدة حيدر حول دور المركز في توفير المعلومات والدعم النفسي للفئات الأكثر ضعفاً في ظل حالة الذعر التي خلّفها انتشار مرض كوفيد19، إضافة إلى جهوده في إنهاء حالة الوصمة والخجل التي رافقت تفشي الجائحة بين الناس وتشجيع الأشخاص على طلب المشورة وعدم التردد في الإبلاغ عن أية عوارض أو حالات مشتبه بها، بالتوازي مع نشر التوعية ضمن البلدة والمخيمات التابعة لها واطلاق حملة تعقيم تطال البؤر الأكثر عرضة لانتشار الفيروس.
كما تم تأهيل وتخصيص فريق الزيارات المنزلية الخاص برعاية المسنين التابع للمركز والذي يحرص على تقديم الرعاية المستمرة لهذه الفئة الضعيفة وخصوصاً في ظروف انتشار جائحة كورونا.