إعداد: علي الرضا سبيتي | موقع عامل | النسخة العربية |arabic.amel.org
يقال أن جواهر الحياة وجماليتها، تتجسد في كبار الأسرة، الأب والأم اللذان يصبحان فيما بعد الجد والجدّة، مخزن الحكمة، ومصدر المحبة الأكبر، ولكن هذه الفئة التي تتعرض إلى تغيرات نفسية وجسمية تصاحب مرحلة الشيخوخة تواجه اليوم إهمالاً خطيراً في المجتمعات العربية، لتتحول تدريجياً إلى ثروات مهدورة ومهملة، خصوصاً في ظل التقلبات النفسية الناتجة عن التقاعد من العمل وآثاره، إضافة إلى قلق الانفصال عن الأحبة وأخيراً وهو الأكثر شيوعاً، القلق من الموت.
وهنا نلاحظ عافية وصحة المسن الذي يأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام والاحترام في الأسرة، ويجد مراعاةً دائمة ممن حوله للمشكلات التي يواجهها كمسن، وهذا الإحترام هو الثقافة المتأصلة بين أفراد المجتمع التي نحتاج لإحيائها والحث عليها عبر برامج توعوية وتربوية على كافة الصعد.
وعلى الرغم من انتشار الأفكار الخاطئة وعقلية العدمية التي اتسمت فيها ثقافة الأجيال السابقة حول دور المسن، إلا أن هناك في المقابل خلال الفترة الأخيرة، نمو في الوعي الإنساني والاجتماعي ترافق مع تطوّر العلم و الطب النفسي والإجتماعي حيث بدأت تلك النّظرة بالتغير، إن كان من جهة المجتمع للمسن أو من جهة المسن لنفسه، لمعرفة قيمة هذا المسن وطاقاته الثمينة التي يمكن استثمارها في خدمة المجتمع.
شيخوخة السكان
وجدير بالذكر أن نسبة مجتمعات المسنين ترتفع إلى نسبة إجمالي السكان في العالم أجمع، فعلى مدى التاريخ الإنساني كانت نسبة صغار السن أكبر، إلا أن ظاهرة شيخوخة السكان تقلب هذه الاتجاهات التي عاشها العالم فيما سبق وهناك الآن ما يربو على 700 مليون نسمة تزيد أعمارهم عن 60 عاما. وبحلول عام 2050، سيكون هناك بليونا نسمة، أي ما يزيد عن 20 في المائة من مجموع سكان العالم، تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر. وستكون زيادة عدد كبار السن أكثر وأسرع في بلدان العالم النامي، وستُصبح آسيا المنطقة التي تضم أكبر عدد من كبار السن و لأول مرة في التاريخ سيتغيّر بذلك شكل الهرم السكاني في العالم فتصبح قاعدته أقل من قمته، وهي ظاهرة في منتهى الخطورة; طرأ تغير جذري على التركيبة السكانية في العالم في العقود الأخيرة. ففي الفترة ما بين عام 1950 وعام 2010، ارتفع العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم من 46 عاما إلى 68 عاما، ويتوقع أن يزيد ليبلغ 81 عاما بحلول نهاية هذا القرن.
وفي هذا السياق بدأت الحكومات والمؤسّسات تأخذ نهجاً جديداً في تسليط الضوء على التصورات المختلفة للدور الذي يؤديه كبار السن في الأسرة والمجتمع ككل، وتدعو إلى إلقاء نظرة ثانية على التصورات الحالية بشأن كبار السن والعمل، وآليات رعاية المسنين، وقد صممت بعض الحكومات سياسات تقوم على مبدأ الشيخوخة الفاعلة والاستقلال الذاتي، تهدف إلى تيسير مواصلة الحياة باستقلال في المنزل، وتوفير الخدمات والمرافق التي تلبي أنواعا شتى من الاحتياجات، وفي جميع الحالات، من الجوهري إنشاء شبكة من الجهات الفاعلة الخاصة، بما في ذلك مختلف المنظمات التطوعية والمراكز المجتمعية، كي يؤدي النظام بأكمله مهمته بسلاسة، وبدأ المجتمع الدولي تسليط الضوء على حالة كبار السن في خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة، التي اعتمدت في الجمعية العالمية للشيخوخة في عام 1982 وازداد تعزيز التفهم الدولي للاحتياجات الأساسية اللازمة لرفاه كبار السن نتيجة اعتماد مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن لعام 1991.
تجربة عامل
مع ذلك فإن مؤسسة عامل ومنذ تأسيسها عام 1978 و بتوجيهات مؤسّسها الدكتور كامل مهنّا عملت على رعاية هذه الفئة المهمّشة في المجتمع اللبناني خصوصاً خلال الحروب، انطلاقا من نظرتها التي تعطي أهمية لكل فئة في المجتمع، وهي اليوم تنفذ عدة مشاريع كبيرة تتعلق بالمسنّين ومن بينها مشروع الدّعم النفسي الإجتماعي في مركز الخيام بالتعاون مع كاريتاس – ألمانيا الذي يهدف الى رفع نسبة الوعي المجتمعي حول التعامل مع هذه الفئة وإلى امداد عدد من المسنين النازحين والمهمشين بأدوات الرعاية والترفيه والرعاية الصحية اللازمة.
تتحدث ليلى المدرّبة الإجتماعيّة والزّراعية في المشروع التّابع لمؤسّسة عامل للمسنّين، وخاصّة المتأثّرين بالأزمة السّورية، إلى جانب المشتركين اللبنانيين العراقيين الذي يشملهم هذا المشروع، الذي يعمل على تقارب المسنّين من الجنسيات المختلفة لبناء حياة اجتماعية جامعة، و نقوم بتعليمهم الطّبخ والزراعة، إضافة إلى مشورات المعالِجة النفسية– الاجتماعية وإختصاصية التغذية.
تضيف ليلى: “يتلخص دوري كمدّربة زراعيّة أقوم بتعليمهم كيف يمكننا استغلال المساحة وإعادة تدوير المواد لاستخدامها في الزراعة بأقل تكلفة، و تكون هذه الزراعات كلها عضوية، إضافة إلى تعليمهم طرق مكافحة الأمراض بشكل طبيعي وصنع أدوية في المنزل لمعالجة هذه النباتات“
بدورها تقوم الأخصائية النفسية– الإجتماعية بجلسات توعية للمسنّين لكي توضح لهم النظرة الجديدة من المجتمع نحوهم، لتعريفهم على دورهم الفعّال في هذا المجتمع وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وإظهار حقوقهم وواجباتهم أمام المجتمع، والاستماع لهم ولآرائهم وإعطائهم مساحة للتعبير عن كلّ ما يدور في أذهانهم ومشاركة حكاياتهم مع بعضهم البعض ضمن جلسات تقارب بينهم.
قصة جميلة
تروي جميلة القادمة من سوريا من قرية البراغيتي، التي تهجّرت من بيتها و أرضها و أملاكها بعد الأحداث السورية، عن مدى صعوبة هذه الهجرة بعد أن كانت مستورة في منزلا و تقتات من رزقها و خاصة في هذا العمر و في ظل هذا الغلاء مع عدم القدرة على العمل.
وتتابع حديثها بأهمية دور المسن خاصة من الجهة التوعويّة بالنسبة للأطفال والعائلة بحكم العمر والخبرة المكتسبة في هذه الحياة، وكما تعتبر بأن جيلهم أوّلي يعمل بنفسه بتحضير خبزه حتى بينما الآن فكل شيء أصبح جاهزاً، ولديهم القدرة على تعليم هذا الجيل السريع على حد تعبيرها كيف يعيش في أقسى الظروف.
ويمتدّ حديثها ليصل إلى مشروع مؤسسة عامل الدولية، هذا المشروع المهم بالنسبة للمسن، فلقد قاموا بتوعيتنا أكثر حول الأمراض و كيفيّة التعامل معها، و الزراعة التي عملنا بها طوال حياتنا فلا يخلو الأمر من معلومات جديدة و طرق جديدة بتكاليف أقل، وأيضاً هذا الخروج و العمل والتواصل الذي يبعث فينا النشاط من جديد بعد المكوث طويلاً في المنزل، فكلّ الشّكر لمؤسسة عامل على هذا المشروع الذي قاموا به من أجلنا.
وختمت حديثها برسالة للجيل الجديد بمعاملة المسن بحنيّة واحترام وتقدير ولطف، فهذا الإحسان لكبيرك سيعود عليك من أولادك عندما تكبر.
قصة حبيب
أما بالنسبة لحبيب القادم من العراق من منطقة سهل نينوى، التي تشتهر بالزراعة من قمح وشعير وعدس وغيرها الكثير من الحبوب، فقد كنا نزرع وننتج ونسلّم للدّولة، ولكن الظروف التي حكمت على بلدنا جعلتنا نهاجر بلدنا وبيوتنا كما كما هي، وبالنسبة لحبيب وفي الذي عاصر الزمن الجميل على حد تعبيره فالمسن لديه أفكار غنيّة، فعلى الشباب الإعتناء بالشّياب والتّعلم منهم ومشاورتهم، وعدم تركهم و إهمالهم.
ويقول حبيب بأن هذا المشروع مع كلّ فوائده وقيمته ففيه روح التسلية و الترفيه عن النفس، فأنا لدي هنا في مكان سكني حديقة صغيرة أزرع بها , أنفذ ما تعلّمته في هذا المشروع، فأقضي وقتي في هذه الحديقة و أخرج قليلا للنزهة ولكن يبقى لجلساتنا في هذا المشروع رونق آخر.
ومؤسّسة عامل تعرّفت عليها منذ وصولي وأنا أسمع عنها، وعندما بدأنا في هذا المشروع تعرّفت أكثر على هذه المؤسسة الجميلة التي ترعانا بكلّ جوانبنا حتى التنشيط الفكري بعد الإبتعاد عن العمل، وصراحة “ناسها طيبين“، فكل التقدير لهم على جهودهم و تعبهم معنا.