فرضت ظروف الحرب في لبنان منذ العام 1975 على المجتمع والدولة ضرورة التكيف مع الحالة الطارئة حيث أصبح للحرب آلياتها المتكيفة مع الإحتياجات المتنامية، فشاركت منظمات المجتمع المدني في عبء مواجهة آثار الحرب على الصعيدين الجتماعي والصحي. لقد جسدت معظم الهيئات الأهلية خلال فترات الحرب ال صورة النقيض لواقع القتل والتدمير واللتهجير، فكانت تبلسم الجراح، تقدم المساعدة، تتعاون فيما بينها، تهتم بالآخرين (بعكس ذهنية الإلغاء التي سادت بين المتحاربين) فكانت قريبة من الناس تعايش همومهم (باستثناء قلة تدثرت بالعمل الإنساني من تعظيم ذاتها). لقد قبلت الهيئات الأهلية خلال سنوات المحنة التحدي من أجل تلبية حاجات الناس، بمرونة وتكيف مع المعطيات المتغيرة، وتفاعل مع المجتمع المحلي وتعاون مع القطاع العام والمنظمات الدولية. إن تجربة القطاع التطوعي خلل سنوات الحرب، تعتبر دليل” على أهمية دور المجتمع المدني في لبنان، سواء عبر التقديمات التي قامت بها هذه المؤسسات على مستوى الإغاثة والطوارئ أو عبر بقاء بعضها كرمز للسلم الأهلي أو حتى محاولة صيانة هذه المؤ سسات لدى الدولة ( ما يحصل عادة هو عكس ذلك). لقد ساهمت هذه الهيئات في منع تفكك المجتمع اللبناني، فلم تتوقف عن العطاء في ظل القتل والدمار وفي مناخ الواقع التقسيمي. و قد كان هناك دائما” من يهتم بما يستوجب الترميم كالمستشفيات والمدارس ومؤسسات الرعاية والمساكن، أو البقاء كرمز للسلم الأهلي. و في هذا السياق، إن تجربة مؤسسة عامل، هي واحدة من هذه النماذج الحيوية في مرحلتي الحرب والسلم. والتي نستعرضها في هذا التقرير.