مؤسسة عامل في اليوم الدولي للأسرة: التمكين الانساني هو الحل

0
2118

يواجه العالم العربي بهذه الفترة التاريخية، تحولات جذرية في كافة ميادين المجتمع، خصوصاً في ظل الاضطرابات الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي يمر بها، والتي تنعكس بشكل أساسي على أوضاع الأسرة العربية، فهناك تحديات حقيقية تفرضها الحروب والنزاعات المشتعلة في هذه البقعة من العالم، وهو ما سمته جامعة الدول العربية في تقريرها الأخير الذي صدر في حزيران 2015 حول وضع الاسرة بـ الأمن الإنسانيوالذي يتضمن الامن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والصحي والتعليمي وغيره لكل عائلة عربية.

فالحروب تنتج موجات من الهجرة والتشتت والتفكك الأسري وفقدان السكن وفرص العمل، وتزيد من نسبة العنف والجريمة وعمالة الأطفال والنساء الذين ينالون النصيب الأكبر من هذه التداعيات، وفي مثل هذه الظروف من الطبيعي أن تكون الاستجابات المجتمعية ملائمة للحاجات القديمة والمستجدة للأسر ولا سيما الأسر المهمشة.

إن العائلة، التي هي بمثابة المجتمع مصغراً، هي خزان قيمه ومستقبله، فهي الخلية الأولى في المجتمع البشري، وقد مرت بتحولات متعددة، وتلونت بألوان التاريخ والظروف، إلى أن أخذت مفهومها الكامل وأبعادها الإنسانية والروحية في زمننا الحديث، واعتبرت حقاأساسيامن حقوق الفرد. وهي مكون إجتماعي يهدف بجميع أبعاده إلى المحافظة على النوع البشري، والعمل على تطويره وتقدمه، وهي على حد تعبير هيرفي بازان المكان الوحيد الذي يجري فيه دم واحد في شريان الآخر. فمن هذا الشريان المضخ دمه صافي أحياناً، والفاسد أحياناً أخرى، نتواصل في ألياف العائلة بمرها وحلوها ونكساتها وتفككها.”

ونحن في مؤسسة عامل نتبنى فلسفة تقول أن الأسرة هي مصنع المجتمع، التي تخرج له أفراده ويتكوّن بداخلها مكوناته، ومن ثم فإن بناء مجتمع سليم وقوي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا يبدأ بأسرة قوية ومترابطة، لذلك تتناول برامجنا تمكين كافة أفراد العائلة وليس شريحة منها فقط، فالأسرة لا تزال اللبنة الاساسية للمجتمعبحسب وصف الأمم المتحدة على الرغم من تغير بنى الأسر في كل أرجاء العالم تغيرا كبيرا في أثناء العقود الماضية، بسبب الاتجاهات العالمية والتغيرات الديمغرافية(*).

مهددة ولكن متماسكة!

إن جزء لا يستهان به من الأسر في العالم العربي، في سورية ولبنان وفلسطين والعراق والسودان والصومال وليبيا ومصر وغيرها من الدول، مهددة بالاضمحلال بشكل كامل عبر عوامل متعددة مثل الحروب والفقر والتشتت والهجرة وغيره. حوالي 30% من أسر العالم العربي تعاني أوضاع خطيرة جداً تهدد مستقبل المنطقة، هذا إلى جانب ارتفاع نسبة الأمية وعدد الاطفال العرب خارج النظام التعليمي، ففي عام 2018 وخلال 7 سنوات وصل عدد الأطفال السوريين خارج المدارس إلى حوالي 5 ملايين طفل! أما في لبنان، فلا يزال أعضاء الأسرة الواحدة لا يخضعون للقوانين نفسها، حتى أن تشريعات الطوائف تميز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات داخل الأسرة، فقد بقيت القوانين تكرس الرجل اباً للاسرة والمعيل الوحيد لها. فالأسرة اللبنانية لا تزال أبوية هرمية، القرارات الأساسية فيها للرجال، وما على المرأة إلا الطاعة والتضحية والصبر!” عالرغم من نضالات المجتمع المدني لسد هذه الثغرات، وتحقيق المساواة عبر قوانين وتشريعات تزيل الغبن عن المرأة اللبنانية ودورها الجوهري في الأسرة. (1)

ولكن على الرغم من التحديات الكبيرة، لا تزال العائلة العربية عالأقل، متماسكة بنسبة كبيرة، قياساً بحالتها في البلدان الغربية، وقد أظهرت دراسات اجتماعية عربية حديثة، أن نسبة الترابط الأسري في الدول العربية تتراوح ما بين 70 و75 بالمئة، في حين تنخفض هذه النسبة في الولايات المتحدة إلى 40 بالمئة، وترتفع قليلا في المجتمعات الأوروبية ما بين 45 و50 بالمئة، مبينة أن الأسرة العربية لا تزال متماسكة في المجمل ومحافظة على وجودها ودورها في المجتمع“.

اقتراحات لحماية وتحصين الأسرة

وبما أن مسؤولية، تخطي الأزمات التي تعيشها الأسر العربية، تقع على عاتق الدولة والمجتمع بكا عناصره، نرى أنه لابد من تحديد الدور التكاملي لكل من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني واشتراك ممثلي المجتمعات المحلية والناس، أصحاب الشأن عبر آليات تعزز المشاركة المجتمعية وتطور مفاهيم الديمقراطية يكون في:

ضرورة استجابة برامج الأسرة العربية لتباين المجتمعات العربية وتشابهها ولعملية الحراك الاجتماعي؛

تجاوز برامج الرعاية الصفة النمطية المحصورة إلى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؛ (ج) استجابة برامج الأسرة للتحولات الاقتصادية المستجدة والمتراجعة في السنين الأخيرة؛ (د) إتقان تعميم برامج الأسرة على أساس تحديد أدوار الشركاء ضمن أطر سياسية واجتماعية شاملة؛

الارتقاء ببرامج الأسرة بحيث تجعلها كياناً اقتصادياً فاعلاً ومنتجاً؛

تجميع الجهود المؤسسية العربية لوضع قاعدة شاملة للمعلومات عن الأسرة العربية؛

دعم المجالس الوطنية للأسرة ومنظمة الأسرة العربية مادياً وفنياً لتكون شريكاً كفوءاً للحكومات في مجال إعداد وتنفيذ ومتابعة برامج الأسرة.

تمكين السيدات: المساهمة في تعليم أبنائهن والمشاركة في تحسين دخل أسرهن من خلال تمكينهنّ اقتصادياً عن طريق مشاريع داعمة للمرأة.

دعم منظماتات المجتمع المدني في العالم العربي لتطبيق الاستراتيجية جنباً إلى جنب مع الحكومات العربية؛

إدخال المحور البيئي ضمن الاستراتيجية حيث للبعد البيئي تأثير مباشر على أمن ورفاهية الأسرة العربية سواءً على مستوى دخل الأسرة العربية أم على صحتها.

إنشاء قواعد للبيانات ومراصد وطنية للأسرة تغطي البيانات والمعلومات والتغيرات التي تطرأ على الأسرة وما يواجهها من مخاطر وتحديات وفرص؛ وإنشاء مرصد عربي للأسرة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية يركِز على البيانات والمعلومات العربية التي تسهم بها المراصد الوطنية.

إصدار دليل للخبراء العرب في شؤون الأسرة.

دعم مبادرات دمج الشباب في العمل التطوعي والمنظمات غير الحكومية.

تلاؤم عمل المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الأسرة مع الأوضاع المستجدة والمفاهيم الجديدة والاتجاه نحو إطار تنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بالأسرة وليس فقط العمل الخدمي.

تطور بنية الأسرة الذي يسير في موازاة تطور قوانين الأحوال الشخصية وفي اتجاه معاكس له، فقوانين الأحوال الشخصية تسير بعكس مصلحة الأسرة وهي تقوم على نظام امتيازات يتمتع به الرجل ويقوم على السلطة والطاعة ويعوق التفاعل بين أفراد الأسرة وبالتالي ينتج قيماً قمعية وعلاقات مأزومة تؤدي إلى العنف.

العمل على التشريعات الاجتماعية التي لها دور في حماية الأسرة. ومن بينها قانون العمل الذي ينظم حق المواطن في فرصة عمل تضمن له الحد الأدنى للأجر.ويمتد دور قانون العمل أيضاً ليشمل في نطاق حماية الأسرة تنظيم عمل المرأة لتوفق بين مكانتها كعاملة ودورها الهام كأم وراعية للأسرة. على أن تعامل المرأة العاملة ككيان إنساني مستقل، وتتغير الصورة المنمطية التي يروحها الإعلام عن النساء.

ضرورة وضع سياسات اجتماعية متكاملة ومترابطة لتحقيق العدالة الاجتماعية والارتقاء بنوعية السياسات الاجتماعية بأبعادها المتعلقة بالصحة والتعليم والإسكان والتشغيل والضمان الاجتماعي، وركز على أهمية التنسيق بين أجهزة الدولة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في تنفيذ هذه السياسات.

تعديل قوانين الجنسية في الدول العربية التي تحرم المرأة العربية المتزوجة من أجنبي من إعطاء جنسيتها لأولادها. وفيما يخص الشراكة أو المساواة والتعاون في الأدوار الاجتماعية بين الجنسين في الأسرة العربية، أن الشراكة الزوجية في هذه البلدان لا تزال تقليدية جداً أي مقسمة على أساس نوع الجنس.

وضع الاستراتيجيات اللازمة لرفع مكانة الأسرة العربية وتمكينها من التعامل الإيجابي مع تداعيات العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ووضع استراتيجيات اتصال وإعلام وتثقيف، تستهدف تطوير الوظائف والأدوار لما فيه خير الأسرة والمرأة والرجل والأبناء، وذلك انطلاقاً من التنشئة الأولية داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع.

من مداخلة للدكتور كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل الدولية والمنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان ضمن مؤتمر (واقع الأسرة العربية في ظل الحروب والنزاعات: فقدان الأمن الإنسانيفي الدوحة)

(1) دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة المخاطر التي تتعرض لها الاسرة في لبنان، تجربة مؤسسة عامل أنموذجاً: مبدأ التحصين من خلال التمكين، تأليف د. كامل مهنا ود. مصطفى حجازي، دار الفارابي، 2014، ص254

 http://www.un.org/ar/events/familyday