في ظل جائحة “كورونا” وما أنتجته من تجميد للتدريبات المباشرة والدروس في المراكز التنموية والمدارس، يستمر نوري إعفارة بتدريس مادة تحضير الموازنة للمستفيدين والمستفيدات من خلال الانترنت ضمن برنامج مكافحة الاتجار بالبشر وحماية المهاجرين الذي تنفذه مؤسسة عامل الدولية منذ العام 2011 في مركز بشار مهنا ومسلم عقيل التنموي في الشياح. فمن هو نوري وكيف ساهمت “عامل” في تغيير حياته؟
“الافكار هي بذور تحتاج تربة خصبة لكي تثمر. أنا البذرة وعامل هي التربة الخصبة وانجازاتي اليوم هي الثمرة”. بهذه الكلمات وصف المتطوّع في مركز الشياح نوري إعفارة مسيرته مع مؤسّسة عامل الدوليّة.
نوري، طالب سنة ثانية في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية. سوريّ الجنسيّة. يبلغ عقدين من عمر الحياة وأربعة سنوات من عمر عامل. بعد اندلاع الأزمة السوريّة، ورسوبه في امتحانات الشهادة الثانوية على مدار سنتين، جاء نزوحه في العام 2014 إلى لبنان بهدف البحث عن ظروف حياة أفضل ولاستكمال تحدي الدراسة، بعيداً عن الحرب وانعدام الفرص.
“مرحلة التحفيز”
لم يكن رسوبه في الامتحانات الرسمية في سوريا سهل التقبّل. حاول نوري التعويض عن رسوبه بزيادة انتاجيته. لذا منذ نزوحه إلى لبنان، “سبّع نوري الكارات”. عمل على عربية ليف، وفي بيع الأدوات المنزلية وفي صيانة التلفونات، وبعض المحال التجارية. يقول: “كنت أعمل أحيانا بدوامين نهاريّ وليليّ. مرّت أيّام لم أعرف فيها طعم النوم، وفي آخر عمل لي، لم أرَ الشمس لمدة سنتين ونصف”.
ومن مهنة إلى أخرى، غابت كليًا فكرة متابعة الدراسة عن ذهن نوري. كان يقضي معظم اليوم في العمل، إو في البحث عن بديلٍ أفضل، يؤمّن له عيشاً كريماً. وهكذا، رسى نوري على العمل في أحد الافران بدوام سرق منه راحة النهار والليل. وقد جاءه الخبر الكفيل بتغيير المعادلات، إذ سمع عن دورة تمكينٍ ستقدمها مؤسسة عامل. يقول: علمت من أختي بشأن الدورة، ولم أتردد لحظة في الذهاب والتسجيل”.
هكذا تعرّف نوري على مؤسسة عامل الدوليّة. في العام 2017 وأثناء دورة “التمكين الآن” التي قدّمت للمستفيدين صفوف اللغة الانجليزية، والكومبيوتر، وصيانة تلفونات. وما هو طريف وعميق في الوقت عينه، أن نوري كان يحضر الصفوف في الدوام الصباحي المخصص للنساء ــ كونه طبعًا غير قادر على مغادرة العمل مساءً. نوري ــ هذا الاستثنائيّ هذا تفيد مسؤولة مركز الشياح د. لميا رمضان إلى أنّ إصراره للتعلّم “دفعني لأقوم بهذا الاستثناء خصوصا أنّه يعمل في فترة ما بعد الظهر”.
وتضيف: بدأنا معاً التفكير بشأن إمكانية إحداث تغيير ما في شخصه، وفرصة إيجاد سبيل لتحقيق الذات. وبالفعل استطعت اقناعه بتقديم طلب حرّ لامتحانات الشهادة الثانوية”.
مرحلة الانجازات
“نوري نجح عنجد نوري نجح، نجحت أو ما نجحت بس ارجع بتأكّد”. لم يستطع نوري تصديق نجاحه في امتحانات الشهادة الثانوية. فبعد سنين من العمل والابتعاد عن الدراسة لم يخيّل إليه أنه سيستطيع تحقيق هذا الحلم. هذا الانجاز الذي ينسبه نوري إلى مؤسسة عامل الدوليّة الممثلة بشخص د. لميا ليس سوى الانجاز الأول. فاليوم نوري هو طالب متفوق في الجامعة اللبنانية وهو يعتبر أنّ دروسه في عامل هي سببه الأول في النجاح.
كما لم ينسَ نوري لحظة قدّم كلمة باسم مؤسسة عامل في حفل التخرّج لدورة “التمكين الآن”. فيصف لنا كيف تدربّ مراراً وتكراراً على الكلمة وكيف استطاع مخاطبة 250 شخصاً في القاعة. هذا المشهد الذي يصفه نوري بالمهيب، يعتبره في الوقت عينه مكمن تفوقه في الجامعة خصوصًا في تقديم الأبحاث وعرضها، ويضيف: “إن الدفع المعنوي والطاقة الايجابية التي أخذتها من مدام لميا التي تمثل مؤسسة عامل هو سبب كل نجاحاتي لتاريخ هذه اللحظة”.
أمّا بعد، بات اليوم نوري يوظف خبراته التي اكتسبها في عامل لمساعدة أصدقائه في الجامعة، فتارة يدرّس زملاءه في الجامعة، وتارة يعلمهم تقنيات التواصل التي اكتسبها من صفوف “التمكين الآن”. إضافة الى ذلك، استطاع نوري اليوم أن يستفيد من خبرته المكتسبة لتأمين قوت يومه من خلال تدريس دورات كومبيوتر للراغبين بعد الانتهاء من دوامه الجامعي. أضف الى ذلك، هو متطوّع في عامل الآن، ويدرّس مادة الكومبيوتر للعاملات في الخدمة المنزلية المهاجرات اللواتي يلجأن للمركز بهدف التمكين والدعم النفسي – الاجتماعي المتوفر.
هنا تترسخ ثقافة التطوع التي قامت عليها مؤسّسة عامل الدوليّة والتي تعمل على زرعها في المستفيدين، لتحويل كل إنسان إلى طاقة ايجابية. وكذا سطّر نوري في مسيرته نهج “التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر”.