اعداد ذكية قرنفل | قسم الاعلام والتواصل 

الاحصاءات الرسمية، تشير إلى وجود حوالي 49 ألف طفلة يتم تزويجها يومياً في العالم العربي تحت سن الـ18 عشر عاما! ومن المتوقع أن يصل عدد الفتيات المجبرات على الزواج المبكر في عام 2020 سيصل الى 140 مليوناً في العالم العربي ، و1.2 بليون في العالم بحلول العام 2050. تتعدى هذه الوقائع كونها قضية مرتبطة بالمرأة والزواج، لتكون عقبة حقيقية أمام التنمية الاجتماعية بكل أشكالها.

يلقي التزويج المبكر بنتائجه السلبية ليس فقط على جسد المرأة وبنيتها النفسية، وإنما على حقوق الإنسان والطفل والناتج الاقتصادي والنمو الاجتماعي والتقدم العلمي، كلها مجالات تتأثر بهذه الظاهرة بشكل جذري.

آلاف وربما ملايين من النساء السوريات تعرضن لهذه التجربة نتيجة لعادات وتقاليد اجتماعية وغياب الوعي الثقافي – المجتمعي، وهن اليوم لازلن معرضات لها بحكم الظروف المعيشية المزرية للاجئين في الدول الميجطة بسوريا أو النازحين الداخليين، الأرقام الرسمية تشير ارتفاع في نسبة تزويج القاصرات السوريات خصوصاً في الأردن وتركيا وبنسبة غير قليلة في لبنان على حد سواء، وفي دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف منذ عامين في لبنان، كشفت عن أن 23% من النساء السوريات المقيمات في لبنان اليوم تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18 عاما، ومن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 12و17 عاما، فإن هناك 4454 فتاة تزوجن قبل أن يبلغن سن البلوغ عام 2015، وهي نسبة مساوية لنسبة 6.3%.

تغيير الوقائع

إن عمل مؤسسة عامل لسنوات طويلة وخلال أحلك الظروف في قطاع الرعاية الصحية الأولية للاجئين والفئات المهمشة جعل منها على اطلاع مباشر ودقيق لنتائج التزويج المبكر وانعكاساته الصحية والاجتماعية عند النساء والفتيات، لذلك حرصت المؤسسة منذ باكورة انطلاقاتها على تخصيص برامج صحية – تنموية لدعم المرأة وتمكينها الاقتصادي والمهني والتعليمي الذي يساهم في حمايتها وتوعية اسرتها بمواجهة آفات اجتماعية كالتزويج المبكر والعنف وغيره.

بذلت المؤسسة جهوداً كبيرة مع المرأة وجعلتها في مركز اهتماماتها، وجعلت 80% من عامليها من النساء، وفي العام 2017 أعلنت عامل عن تنفيذ مشروع خاص للتوعية ضد التزويج المبكر والتخطيط الاسري بالشراكة مع UNFPA صندوق الأمم المتحدة للسكان، حيث يعتمد هذا المشروع على تثقيف اقران الفتيات ووضعهن في مسؤولية التوعوية المجتمعية وخلق المبادرات لمساعدة المجتمعات المحلية على النهوض والتنمية الذاتية ، وبالفعل ساهم هذا المشروع بترك أثر في حياة مئات النساء والفتيات وحتى الرجال الذين تابعوا دورات تثقيف وتوعية وأصبحوا مناصرين لحماية الفتيات.

قصة غفران

لقد كنت أنا نفسي ضحية للتزويج المبكر بكل انعكاساته وآثاره، ولكني لم أكن أفهم ماذا يعني ذلك، الجهل هو مشكلة مجتمعناتقول غفران العليان من درعا، المرأة السورية التي أضحت مصدر تثقيف وتوعية لباقي النازحين في بلدة مشغرة ومحيطها، حول قضايا التزويج المبكر ، التخطيط الاسري والعنف ضد المرأة.

تابعت غفران جلسات توعية وتدريب مكثفين مع فريق مؤسسة عامل الاجتماعي – النفسي المتخصص إلى جانب عدد من النساء والرجال الآخرين، لتصبح بمثابة جسر بين بيئات اللاجئين ومركز المؤسسة الذي يؤمن جلسات التوعية والمحاضرات والاخضائيين والمنشوارات اللازمة لزرع مفاهيم انسانية جديدة تحمي القاصرات من التزويج والمرأة من العنف.

أثناء دورات التدريب والتوعية، كنت أربط المعلومات مباشرة بوضعي، مع العوارض الصحية التي أتعرض لها ، الأزمات النفسية، كل الأشياء التي يتسبب بها تزويج الأطفال، لذلك تفاعلت بشكل سريع وتحمست للانخراط جدياً في هذه القضية، فأنا لا أريد لأطفالي أن يمروا بالظروف ذاتها، لن أزوّج ابنتي قبل العمر المناسب، ليس بعد اليوم!”.

وتضيف: “كنا نعتقد اننا نعرف ماذا يعني زواج وماذا تعني التربية وماذا يعني إنسان، لنكتشف لاحقاً كم كنّا غارقين بالجهل، حتى أن علاقتي مع زوجي وأساليب التحاور والتواصل قد اختلفت بعد التحاقي بالمشروع، ممّا حسن هذه العلاقة بيننا وحتى مع الأولاد ومع المحيط. اكتساب المعلومات لا يغني العقل فقط وإنما ينعكس على دورنا في المجتمع“. أما بالنسبة للجزء الأفضل بنظر غفران فهو تجاوب العائلات السورية بشكل كبير، مع جلسات رفع الوعي والتدريب وتشارك المعلومات والحوار حول قضايا عدة.

في البداية صعقت بوجود عائلات سورية وفتيات صغيرات متزوجات لا يعرفن معنى حبوب منع الحمل، ولكن بعد مدة حدث تغير ملحوظ على وضع هذه العائلات التي تابعنا معها على مدة تسعة شهور، وقد التمسنا الفرق بأنفسنا، فكان ذلك بمثابة انجاز وانتصار لم نكن ندرك أن بامكاننا تحقيقه كنساء سوريات!”

وحول محاججات الأهالي والاسباب التي يعطونها لتبرير تزويج بناتهم، تقول غفران: “يتذرع معظمهم بضيق الأحوال المادية وغياب أفق المستقبل، وهذا صحيح، ولكن حائط العادات والتقاليد هو السبب! فلو أنهم يسمحون للفتيات بالتعلم والتمكّن سيصبحن قادرات على المساهمة بدخل الأسرة أو عالأقل لتحمل مصاريفهن الشخصية، الحل بسيط وواضح، كل ما علينا فعلة هوي التخلي عن الافكار المتخلفة“.

بالنتيجة، لن أقبل بتزويج ابنتي ذات الأعوان الـ16 عشر وسأناضل من أجل حماية باقي الفتيات، سأستمر بذلك حتى بعد عودتنا غلى سوريا

وغفران أخرى

أما غفران الجمعة، من درعا ايضاً، فتروي تجربتها مع بيئات النازحين، وكيف لاقت صعوبات في البداية للتوعية حول التزويج المبكر ومواضيع مثل الأمراض المنقولة جنسياً.

في البداية، طبقت كل نل تعلمته على أهلي وبيتي، ساعدني ذلك بتقوية علاقتي مع أولادي وزوجي، وبدات اشعر كأني اصيحت إمرأة مختلفة، وابني الذي كان يقوم بمعارضة عملي أو خروجي من المنزل أنا واخواته الفتيات، استطعت اقناعه وإعادة صياغة رأيه، تضيف ممازحة: “يقوم ابني أغلب الوقت بتسخين الطعام وتدبر أموره لوحده بعد ان كان يرفض رفضاً باتاً أي عمل منزلي. تساعدنا المعرفة على إعادة تربية أنفسنا وتربية اولادنا“.

أما الأمر الأهم برأي غفران فهي التوعية بمواجهة ظاهرة التحرش والاغتصابات في مخيمات النازحين، أصبح ممكناً وضرورياً عند كثير من العائلات السورية اليوم الإبلاغ والافصاح عن اغتصاب أو تحرش تتعرض له بناتهم، بعد أن دفن صوتهم الخوف من الفضيحة لدهور! اليوم يعرفون أن هناك الكثير من الأطراف إلى جانبهم وهم أكثر شجاعة على القيام بخطوة جدية. لقد شهدنا الكثير من حالات الافصاح، وهذا أمر عظيم يدل على تحسن، ونحن فخورين بأنفسنا“.

سورية الجديدة

كما تجمع الغفرانيين وغيرهن الكثير من النساء على أهمية انخراط الأزواج والآباء بعملية التوعية والتي انعكست بشكل ايجابي جداً على الكثير من العائلات السورية، ما ينبئ بملامح لثقافة مجتمعية جديدة ستبنى عليها سورية الجديدة.

أما أريج عياش وهي أم لابنتين، وايضاً من مثقفي الأقران التي تقود بدور توعوي في محيطها الاجتماعي، فتروي كيف امتنعت عن تزويج ابنتها هي وزوجها بعد انفتاحهم على الثقافة الإنسانية الجديدة، وكيف تناضل هي وزوجها لتأمين اكمال تعليم الفتاتين التي حصلت احداهما العام الماضي على شهادة البريفيه بامتياز وهي تكمل اليوم تعليمها الثانوي ولا نية لوالديها بتزويجها ابداً قبل اتمام دراستها الجامعية.

تقول أريج: ” موقف ابنتي اليوم مختلف عما كان عليه من عام، فهي اليوم تقول أن العريس الذي يملك سيارة وشقة إنما يملكها لنفسه، اما أنا فأريد أن امتلك معرفة وقوة ذاتية، تحميني في الأيام القادمة وتغنيني عن الاعتماد على مقدرات اشخاص آخرين“.