إعداد: ذكية قرنفل
الذكريات الوحيدة التي تحملها مريم من القرية التي تتحدر منها في أقصى الشمال السوري، تدور بين رحى جدران أربعة، وكثير من المحرمات التي تطوق حياة المرأة الريفية.
“الأيام الأولى في لبنان، لم تكن جحيماً أسهل من الحرب أو تلك الذكريات. الإنسان يُجرد من كرامته حين يخرج من وطنه” تروي مريم الحسين الحسين (أم لولدين)، التي تتحدر من قرية قره صفرا في أقصى الشمال السوري والتي شهدت تمركزاً ونفوذا كبيراً للجماعات المسلحة، الأمر الذي دفع بها وعائلتها إلى الهروب بأرواحهم، وأطفالهم إلى لبنان.
“حالة ضياع وانكسار، عشناها في الأيام الأولى بعد وصولنا لبنان في أوائل 2012، لكن انتقالنا إلى منطقة الجنوب، في البازورية غيّر المعادلة! لاقينا احتضاناً وعطفاً ومساندة من الأهالي هنا، وسرعان ما تمكنا من الانخراط في المجتمع وتكوين صداقات وود مع الجيران والبيئة المحيطة، وهكذا استددلت على وجود مؤسسة تدعم الناس، لجأت إليها مع أولادي وزوجي طلباً للرعاية الصحية”.
“بعد حصولنا على المشورات والرعاية الصحية اللازمة في مركز مؤسسة عامل، قام فريقها الاجتماعي بتعرفينا على باقي البرامج والخدمات المتوافرة. بصعوبة استطاعوا اقناع زوجي بإرسالي نهار كل ثلاثاء لحضور جلسات تأهيل وتوعية حول مواضيع متنوعة، ولكن بعد أشهر قليلة من متابعتي لهذا الجلسات، التمست كثيراً من التغييرات بداخلي وبطريقة فهمي للأمور وتعاملي مع الأشياء، التمس زوجي الأمر نفسه، فأضحى هو من يشجعني كل ثلاثاء للانضمام لجلسات العمل وأصبحت أنا مصدر المعلومات والتوعية لجيراني ومعارفي، فكنت انتهي من حضور جلسات عامل حتى أقيم شبيهة بها في بيتي لجاراتي وصديقاتي”.
تحكي العاملة الاجتماعية ومديرة مركز عامل الصحي – التنموي في البازورية رجاء عبود قصة مريم بكثير من الفخر، تلك المرأة الخجولة التي تحوّلت بغضون شهور قليلة إلى محرك في بيئتها الاجتماعية، وكيف انتقلت بشخصيتها نتيجة جلسات التدريب والتوعية والمشورات المقدمة من الأخصائية النفسية إلى امرأة متقدمة لناحية الفعالية والثقة، لتصير فيما بعد عاملة استقطاب لباقي النساء اللواتي فتحن بيوتهن للمؤسسة ولمريم لإعطاء التدريبات وجلسات التوعية. بقد أصبحت مريم رسولة عامل في بيئتها المحلية!”
وتضيف مريم على القصة: “سئمنا من كلام العادات والقتاليد، من العيب ومن المحرمات والمباحات، فلم ينفعنا ذلك لا بانفسنا ولا بتربية أطفالنا، نريد معلومات وكلام علمي يدلنا ويرشدنا ويرتقي بنا كبشر. لقد تعلمت كيف يهتم الإنسان بنفسه، كيف يحب ذاته ويقدرها وينميها، لقد انعكس ذلك على ابني الذي كان يعاني من صدمة نفسية جراء ويلات الحرب في سوريا، ولكن تدخل المرشدة النفسية الاجتماعية في عامل انقذنا كلينا، واعطاني المعلومات والتدريب اللازم للتعامل مع ولدي الذي أصبح اليوم في أفضل وأجمل حالاته. لقد حدث ذلك لأننا كسرنا حواجز التقاليد البالية”
“لم أكمل تعليمي بعد السادس ابتدائي بسبب تعلك التقاليد، واليوم أنا عاجزة عن تعليم أولادي دروسهم. هذا الأمر يبين كيف أن تعليم المرأة ينعكس على كل المجتمع وليس فقط عليها كفرد”.
تختم مريم قصتها التي روتها لفريق المؤسسة الإعلامي بكل لهفة وحماسة: “أنا عندي رسالة لكل النساء والرجال، بأننا لا يمكن أن نحمي أطفالنا ونبني مجتمعنا إلا بالعلم والتغلب على رواسب التقاليد، لذلك سأكمل رسالتي حين عودتي إلى بلديى سوريا في تطوير مجتمعي والسعي لتعليم النساء والفتيات وحمايتهن وتوعيتهن على حقوقهن وأهميتهن كأفراد في الاسرة والمجتمع. لا يمكن اسكاتنا بعد اليوم”.
لقد أضحت مريم الحسين مرجعية لمحيطها من النساء والفتيات، وكانت سبباً في تمكين الكثير منهن لكسر حاجز التقاليد والانخراط في تدريبات وجلسات توعية وحتى الدخول بسوق العمل، بعد اكتسابهن معارف ومهارات جديدة ضمن الدورات التي تنظمها مؤسسة عامل الدولية، حيث يندرج ذلك ضمن رؤيتها لتميكن النساء بالادوات والمعارف اللازمة لتغيير مكانتهن ووضعهن الاجتماعي، الأمر الذي تطمح المؤسسة للاستمرار به مع هؤلاء النساء حين عودتهن إلى سوريا.