تشكّل منطقة البداوي، عيّنة عن سوء الحال التنموية التي تعاني منها مناطق شمال لبنان، على غرار الكثير من الأماكن في باقي المحافظات. فما إن تصل إلى البداوي حتى تدرك مدى معاناة المنطقة على كلّ الصعد، كغياب أي شكل من أشكال التنظيم، البنية التحتية، الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، إضافةً إلى غياب التوعية والإجراءات الوقائية المتعلقة بتفشي فيروس كورونا. أمّا المخيم الذي يضج بزحمة البيوت وضيق الطرقات المتعرجة، فهو على الرّغم من كل المآسي، يزخر بالأمل والحياة والعمل من أجل الأفضل، فهذا ما تنضح به حدائق البداوي.


“حدائق البداوي” مشروع تدريب على الزراعة المستدامة في مخيم البداوي، شمال لبنان. أطلقته “مؤسسة عامل الدولية” بالتعاون مع Seed in a box و UNDP وبلدية البداوي، بهدف استصلاح المساحات الزراعية الصالحة كجزء من خطة دعم وتشجيع القطاع الزراعي لما له من فائدة في التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان وأثرها في الأمن الغذائي للناس، خصوصاً الفئات المهمّشة.

هذا المشروع الذي يسعى لتميكن شباب مخيّم البداوي والمناطق المجاورة، يصبّ ضمن رؤية عامل الشاملة التي تناضل من خلال برامجها لتقديم الحلول المستدامة، والتي من شأنها النهوض بالفئات الأكثر ضعفاً بمعزل عن انتماءاتهم وخياراتهم، ودعم القطاعات العامّة ومؤسسات الدولة في تنمية المناطق اقتصادياً، اجتماعياً، وصحياً.


في المرحلة الأولى من المشروع، يتم تدريب المشاركين على تنمية مهاراتهم الزراعية. هبة صدّيق، متدربة من مشروع حدائق البداوي تؤكد أهمية دعم وخلق مشاريع زراعية تعزز علاقة الإنسان بالأرض، خصوصاً مع الانعكاسات النفسية والاقتصادية التي ولّدتها أزمة كورونا ” وتضيف: “من البذرة الى الشتلة فالنبتة، نشارك في مجموع عمليات الزراعة التي تمكننا من استصلاح الأراضي. اليوم لم أعد هبة التي كنتها سابقا. في بيتي خصصت مكانا على الشرفة لزراعة النباتات والاهتمام بها. هذا المشروع أدخل الفرح والأمل إلى حياتي خصوصا في فترة الاغلاق التي فرضته جائحة كوفيد-19 ومنحني الفرصة لإعادة بناء علاقتي بالأرض، وتطوير المهارات الزراعية التي هي بالمجمل مهملة بين فئة الشباب”.
في المرحلة الثانية، يخضع المشاركون لدورات توعية حول الزراعة المستدامة تمكنّهم من تدريب الأقران، نتج عنها إطلاق حملة ” الحق في الغذاء” التي استهدفت 360 شاباً موزعين بين دوّار العبدة، مخيم نهر البارد، مخيم البداوي، جبل محسن وباب التبانة.


إلى جانب زراعة الأراضي، استطاع فريق “حدائق البداوي” من زراعة 10 أسطح في المخيم لإعالة العائلات الأكثر ضعفا والتخفيف من معاناتهم. نضال الحسّان، مدرّب في مشروع حدائق البداوي، يسلط الضوء على مساهمة المشروع في تحسين وضع الكثير من العائلات خصوصاً وأنّ المحصول الزراعي أصبح يسدّ جزءاً من حاجاتهم الأساسية في الأمن الغذائي.
مشروع حدائق البداوي مستمر حتى اليوم، يهدف على الأمد القريب إلى سدّ الحاجات الأساسية للعاملين والفلاحين في الأرض وعلى الأمد البعيد، ليتحوّل إلى تعاونية زراعية تمكنه من الدخول الى السوق اللبنانية.
في ظلّ غياب مؤسسات ضامنة وشبكات حماية للمواطن، وعلى الأخص المزارع والفلاح، تستمر مؤسسة عامل الدولية، بالتعاون مع شركائها المحليين والدوليين، بدعم وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية التي من شأنها تحرير الفرد اقتصادياً، وتمكينه ضمن المجتمع والحفاظ على صون كرامته الى حين بناء دولة العدالة الاجتماعية في لبنان.
يعدّ هذا المشروع حلقة ضمن سلسلة أكبر أطلقتها المؤسسة خلال العام 2018، في مناطق لبنانية عدّة، تحت مظلة برنامج الأمن الغذائي، التي تشكّل الزراعة المستدامة إحدى أعمدته.