بدأت الموسيقى مع الإنسان العاقل، قبل اللغة.[i] فكانت وسيلته للتواصل وللصلاة وللتعبير، حتى أن بعض العلماء يعتبرون أن الموسيقى ساهمت بتطوير الدماغ البشري.

لقد كانت هذه اللغة المشتركة بين شعوب الأرض، محط اجماع وتقديس عند العلماء والفنانين والمفكرين وكل المشتغلين بالعلوم الإنسانية على مر التاريخ، حتى أن العالم العبقري ألبيرت أينشتاين يقول انه كان من المحتمل أن يكون موسيقياً لو لم يكن فيزيائياً: “لو لم أكن فيزيائيا من المحتمل أن أصبح موسيقياً .. غالباً ما أفكر بالموسيقى .. أحلام اليقظة لدي موسيقى وأنظر إلى حياتي بدلالة الموسيقى .. أجمل أوقاتي هي تلك التي أقضيها بالعزف على الكمان”، فيما اعتبر صاحب الجمهورية الفاضلة أفلاطون، أن “الموسيقى تعطي روحاً للكون، أجنحةً للعقل، طيراناً للمخيلة وحياةً لكل شيء” وقد كانت بنظهر الفلاسفة الإغريق واحدة من المؤهلات الجوهرية في شخصيات الملوك والقادة والإنسان المثالي.

حديثاً، أثبت العلم الأثر الكبير موسيقى على تكوين الإنسان، ولم تعد مجرد نظرية من أزمان الفلسفة، فعلى سبيل المثال استطاع الباحثون في علم نفس الموسيقى اثبات ارتباط الإيقاع الموسيقي بنمو دماغ الطفل ابتداءا من المرحلة الجنينية، ومن ثم ترافقه لاحقاً في اكتساب وتطوير منطقة اللغة والكلام داخل الدماغ، إضافة إلى الإيقاع التواصلي السلوكي المرتبط بهدوءه واتزانه ضمن عملية تفاعله الاجتماعي[ii].

هذا إضافة إلى دور الموسيقى في مساعدة الأطفال الذين يعانون من مشاكل في السمع والتركيز، بحسب ما اثبتت العديد من الأبحاث التجريبية ومن ضمنها أبحاث شركة زراعة قوقعة الأذن  MED-EL  .

 

الكورال الموسيقي الذي تشكل خلال 4 أشهر من التدريب

مبادرة موسيقية

هذه الحقائق والمميزات لوظيفة الموسيقى وغيرها، شكلّت دافعاً لاختيار برنامج حماية الطفل في مؤسسة عامل الدولية الذي ينفذ بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، لتنفيذ مبادرة موسيقية مع 36 طفلاً وطفلة سوريين ولبنانيين، من عمر 8 لـ14، من مركزي حي السلم الصحي – التنموي والدكتور غازي بيضون الصحي – التنموي في برج البراجنة اللذان ينفذان مشاريعهما وخدماتهما مع الفئات الأكثر تهميشاً في المنطقتين.

أتاحت الدورة التدريبية التي استمرت مدة 4 شهور، الفرصة للأطفال بالمشاركة بنشاطات ممنهجة ومتعددة الأغراض، فركزت الأنشطة الأولى التي جرت تحت قيادة اخصائيين في مجال الدعم النفسي – الاجتماعي والموسيقي، على تعريف الأطفال وتدريبهم على المبادئ والمفاهيم الموسيقية والإيقاعية ومن ثم جرى الانتقال إلى تشكيل المجموعات الكورالية، التي كانت بمثابة تدريب ليس فقط على الموسيقى، بل على العمل والتناغم والانضباط ضمن مجموعة، إضافة إلى مهارات التركيز واللغة التي يكتسبها هؤلاء الأطفال.

في المرحلة الثالثة، تم العمل مع الأطفال على نشاط إعادة تدوير لأغراض المنزلية وتحويلها إلى آلات موسيقية، وقد كان هذا النشاط من أمتع الأنشطة، لما فيه من فائدة موسيقية وبيئية وحركية لهم.

 

مشاركة فعالة من أهالي الأطفال

كذلك ساهم المشروع في إعادة بناء الثقافة والأفكار حول الموسيقى عند أهالي الأطفال المشاركين، الذين حضروا جلسات توعوية حول أهمية الموسيقى ودورها النفسي والبيولوجي في تنمية أطفالهم.

في نهاية المبادرة عزف الأطفال سوياً بكل فرح وحماس، من بعدما اكتسبوا هذه اللغة العالمية التي بامكانها أن تقربهم من كل ثقافات العالم، ومن أنفسهم قبل أي شيء.

لقد ساهم برنامج حماية الطفل في العام 2018 بتنفيذ أنشطة وخدمات وإحالات لـ3600 طفلاً عبر مراكز عامل المنتشرة في لبنان، في مجالات الرعاية النفسية والاجتماعية والصحية وتنمية المهارات إضافة إلى العمل مع الأسر في مجالات مهارات التربية والتعامل مع الأطفال والمراهقين.

التناغم والانضباط ضمن العمل الفريقي من أهم الدروس المتعلمة أثناء الدورة

[i] https://www.psychologytoday.com/intl/blog/your-musical-self/201209/which-came-first-music-or-language

[ii] http://paulaharika.com/%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D9%86/