دائماً ما نسأل الآخرين كيف حالكم اليوم؟ ودائماً تكون الاجابات متماثلة (بخير، حمدلله، يكتر خير الله…) ولكن في أغلب الأحيان لم نسأل أنفسنا حقيقة وصوابية الإجابة وكأننا اعتدنا السؤال حتى أصبح مثل إسمنا، لا نفكر فيه ولا نعرف ما يعكسه عن داخلنا الهادئ أو المضطرب.

يسخر زياد الرحباني قائلاً : “كل ما تسألني “كيفك”؟ بتذكر إنّي مش منيح بس معقول تقلّي كيفك وقلّك مش منيح؟ إذا سمعت إنّي مش منيح بدّك تسألني ليه؟ وخود بقا إذا خبرتك ليه، ما بعود بس مش منيح بتصير حالتي تتدهور…

لم اذكر زياد الرحباني إلاّ للانطلاق إلى أحد النشاطات  الكثيرة التي تقوم بها مراكز عامل الصحية – التنموية المنتشرة في كافة المناطق اللبنانية  ومنها مراكز الجنوب (البازورية – صور – الخيام)، مراكز البقاع الأعلى (عرسال- العين)، برامج البقاع الغربي (مشغرة وكامد اللوز) وبالتأكيد مركز برج البراجنة في بيروت، ويساعد هذا التمرين في اكتشاف حقيقة مشاعرنا اليومية وعدم كبتها والافصاح عنها وادارة الاجهاد والتوتر والبحث عن معنى لحياتنا ووضع خطة لتحقيقه.

تسعى مؤسسة عامل الدولية إلى تقديم المشورة والدعم والعلاج النفسي أو الطبي بهدف تزويد الناس بما يساعدهم على مقاومة الظروف الصعبة مهما وأينما كانت. على الرغمّ أن المواضيع المتعلقة بالصحة النفسية لا تزال ضمن مروحة واسعة من المحرمات والأحكام المسبقة التي تعيق وصول المحتاج لهذه البرامج بشكل سهل وعلني، لذلك بدأت المؤسسة تقديم التوعية حول المواضيع النفسية والامراض وتأثيرها على الفرد والمجتمع وأهمية علاجها.

تقول مسؤولة قسم الصحة النفسية د كارولين طرّاف إنّ برنامج الصحة النفسية كان استجابة لتداعيات انفجار مرفأ بيروت، ولكن فكرة البرنامج طرحت نفسها خلال أزمة كورونا وما سبّبه الحجر الصحي من تداعيات على وضع الصحة النفسية في كل العالم وليس في لبنان حصراً، ولكن بعد وباء كورونا توالت الأزمات على لبنان خصوصاً الازمة الاقتصادية التي لم يشهد قاطنو البلد مثيلا لها في السابق، ما أعاد الأهمية لضرورة اطلاق البرنامج في أسرع وقت ممكن.

يعتمد البرنامج نظام الإحالة تشرح طرّاف: “هذا النظام يقوم بتحويل طالب الدعم من مرحلة الى مرحلة حيث يبدأ بجلسات التوعية النفسية والدعم النفسي مروراً بجلسات العلاج النفسي على اختلاف أنواعه وصولاً إلى الطبيب النفسي ولا يدفع المفحوص أي كلفة لقاء الحصول على هذه البرامج”.

تقول  فاطمة حسّانة المسؤولة عن تنظيم جلسات الدعم النفسي ومتابعة الحالات النفسية في مركز البازورية في مؤسسة عامل الدولية تهدف برامج الدعم النفسي تزويد المشاركين بتقنيات المساعدة الذاتية من خلال تعليمهم بعض المهارات العملية والبسيطة والتي يمكنهم تطبيقها لتخفيف الضغوط اليومية، وخصوصاً في السنوات الأخيرة التي مرّ بها لبنان وسوريا، حيث يلجأ عدد كبير جداً من اللاجئين للانضمام إلى هذه الدورات والبرامج.

 

يرتكز برنامج الصحة النفسية على قاعدة أساسية تقوم بزيادة الوعي الاجتماعي وكسر الصور النمطية والأحكام المسبقة عن الأمراض والاضطرابات النفسية  وتقديم مهارات تساهم في إدراك الفرد لنفسه والعمل على تخفيف عبء الضغوط التي تواجهه إضافة إلى طلب المساعدة في حالة عدم قدرته على التغلب على مشكلاته.

ولأن الأم هي محور صحة أفراد الأسرة لما لها من تأثير فاعل ومهم،  فإنّ معظم مراكز عامل تهدف إلى تمكين المرأة وتحسين صحتها النفسية وتعليمها كيفية إدارة حياتها اليومية التي تراجعت بسبب الضغوط والأعباء التي أثقلتها الأزمة الاقتصادية على كاهل الفئات المهمشة في المجتمع، وخصوصاً بعد تراجع القطاع الصحي وخصوصا قطاع الصحة النفسية الذي لم يعد أولوية بالنسبة لكثيرين.

يكشف سؤالنا لأنفسنا عن كيف نشعر وكيف نفكر وكيف نرى أنفسنا حقيقة ما نهرب منه في مشاغل الحياة، وفهم مشاعرنا تسمح لنا بالتعبير عنها وعدم كبتها ولاحقاً مواجهتها، والعمل على تلبية احتياجاتنا والاهتمام بوقاية أنفسنا من التداعيات الخارجية التي يفرضها العيش في منطقة مليئة بالتوترات والصراعات ومحفوفة بالمخاطر.