لا شك أن القرن الحادي والعشرين يشهد تحديات كبيرة، سببها الانفجار الصناعي والتكنولوجي وتغير العادات الصحية واليومية للإنسان، ومن ضمنها داء السكري أو القاتل الصامت” كما يسمى في الميدان الطبي. هذا الداء الذي يهدد حياة ملايين البشر، يشهد معدلاً تصاعدياً، محلياً في لبنان وعلى الصعيد العالمي.
الأرقام مخيفة، والوقائع غير ايجابية، في حال لم يتم اتخاذ الخوات الوقائية اللازمة لمكافحة هذا المرض. ففي العام 2014 كان 8.5% من البالغين حول العالم، والذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً أو أكثر مصابين بداء السكري. وفي عام 2012 كان داء السكري سبباً مباشراً في 1.5 مليون حالة وفاة، وكان ارتفاع كلوكوز الدم قد سبب بوفاة 2.2 مليون شخص آخرين، بحسب منظمة الصحة العالمية.
«يُعتبر السكري إحدى أصعب المشاكل الصحية في القرن الـ 21»، بحسب المعهد الدولي للداء السكري.
تفشي السكري عالمياً وعربياً:
سجل العام 2017، 425 مليون حالة إصابة بمرض السكري، وهي مرشحة للارتفاع إلى 629 مليون إصابة خلال الأعوام العشرين المقبلة! وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصبح داء السكري سابع عامل مسبب للوفاة في عام 2030 .
ففي سنغافورة حالياً، ثلث السكان تقريباً ممن تتراوح اعمارهم بين 30 و 69 سنة مصابون بالداء السكري. كما ان عددا كبيرا من الاولاد — بعضهم في العاشرة من عمرهم — مصاب به، أما في الهند فهناك 30 مليون شخص على الاقل مصابون به، وهي ظاهرة حديثة لم تظهر إلا خلال الأعوام الأربعين الماضية.
كذلك الأمر في الولايات المتحدة، حيث يعاني 16 مليون إنسان من السكري. وكل سنة تشخص نحو 000,800 حالة جديدة.
في العالم العربي، تزداد حالات الإصابة بهذا الداء، عاماً بعد عام، ففي الـ2017 بلغ عدد المصابين به في الامارات حوالي 800000 ألف إنسان، إضافة إلى 3,650,800 مليون إصابة في السعودية، و7,510,600 في مصر من بينها 86,478حالة وفاة مباشرة نتيجة هذا المرض، و356,300 إصابة في الأردن، إلى جانب نصف مليون حالة في الكويت!
حالة لبنان:
بحلول العام 2018، بلغ عدد مصابين داء السكري في لبنان 585,400 مريض، من ضمنهم 8,637 حالة وفاة مرتبطة مباشرة بهذا المرض، فيما بلغت كلفة العلاج 2870 دولاراً أميركياً للشخص الواحد، وذلك بحسب إحصائيات الاتحاد الدولي للسكري IDF، الذي بيّن مؤخراً أن معدلات اصابات السكري في لبنان، أظهرت ارتفاعاً في زيادة نسبة الإصابة بالسكري بحوالي 6. 14%، وهو بمثابة ناقوس خطر للجميع!
وتبين الأبحاث والتقارير الدولية أن تغيّر نمط الحياة، إلى جانب قلّة الرياضة والحركة، والنظام الغذائي غير الصحي والوزن الزائد (السمنة)، إلى جانب الاستعدادات الجينية، جميعها تساهم في التعرض للاصابة بهذا الداء. ولكن ما يزيد من صعوبة معالجة الداء السكري هو أن الشخص يمكن أن يُصاب به ولا يُكتشَف ذلك إلا بعد وقت طويل، لذلك تعتبر الوقاية والكشف المبكر أكثر وسائل الحماية ضد السكري فعالية.
هناك الكثير من الاجراءات الحماية السهلة التي يمكن اتخاذها لمحاربة السكري:
- الوقاية ضد العديد من حالات مرض السكري تتمّ عبر اتّباع نمط غذائي صحّي. فخفض نسبة مخاطر المرض على عائلتك تبدأ من البيت.
- اعتماد نمط غذائي صحّي وأنشطة رياضية ضمن العائلة يفيد كل أفرادها، كما يشجّع على الوقاية من مرض السكري ضمن العائلة.
- اذا كنت تعاني من مرض السكري في العائلة، تعلّم عن مخاطر واشارات التنبيه لأخذها بعين الاعتبار، والخطوات التي عليك اتّباعها للوقاية من هذا المرض وتداعياته.
- من الضروري أن تعيش العائلات ضمن محيط يدعم النمط الغذائي الصحي ويساعد على الوقاية من مرض السكري.
دور مؤسسة عامل
تعتبر مؤسسة عامل الدولية، والتي تساهم في العمل ضمن القطاع الصحي منذ 40 عاماً في لبنان، أن سياسات الوقاية هي الخطة الأفضل في كل المجالات الصحية ومن ضمنها تبعات داء السكري، هذا إضافة إلى مساهمتها اقتصادياً في الميزان الاقتصادي الوطني، الذي يخسر سنوياً مبالغ طائلة ومهولة، نتيجة لغياب الخطط الوقائية واعتماد السياسات العلاجية والمباشرة.
إلى جانب حملات التوعية المكثفة التي تنفذ في كافة مراكز عامل الـ24، وعياداتها الطبية النقالة في مختلف المناطق اللبنانية، تخصص مؤسسة عامل مشروعاً دائماً لاستجابة للأمراض المزمنة ومن ضمنها داء السكري، حيث يعتمد المشروع على الشق الوقائي التوعوي ومن ضمنه الكشف المبكر، إلى جانب العلاج المباشر والأودية والفحوصات المجانية التي تقدمها لشرائح كبيرة في المجتمع، إلى جانب النازحين السوريين، وخصوصاً كبار السن، بالتعاون مع شركاء دوليين.
ففي العام 2017، أطلقت المؤسسة، استكمالاً لمشاريعها السابقة في هذا المجال، برنامج “إدارة داء السكري عنذ المسنين”، وهو مستمر للعام 2019 بدعم من المنظمة الدولية لكبار السن Help Age International، بهدف تحسن فرص الوصول إلى الرعاية الصحية لمرضى داء السكري، والعمل على نشر التوعية والوقاية من النوعين الشائعين لهذا المرض.
خلال العام 2018، تمكنت عامل من تقديم الفحوصات والتحاليل الطبية الخاصة بمرض السكري لـ2306 أشخاص، إضافة إلى استمرار مراكزها برعاية 695 حالة سكري مزمن بشكل شامل، عبر مراكزها في بيروت والجنوب والبقاع، وذلك بالتوازي مع حملات الكشف المجانية وجلسات التوعية التي جريها المؤسسة بشكل دوري.
إن إدارة مرض السكري، يتطلب العلاج اليومي والمراقبة الدائمة والنظام الغذائي الصحّي والتعلّم المستمرّ. وترى عامل أن الدعم العائلي هو مفتاح، وهو مدخل أساسي لحل الكثير من القضايا في مجتمعاتنا الإنسانية.
في الخلاصة، من المهم القول، بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري، أن هذا المرض الخطير هو قضية سهلة، إن وجدت الإرادة الإنسانية وانتشر الوعي، وتم اتخاذ السياسات الوقائية اللازمة. إنه داء بغاية الصعوبة، ولكنه بغاية السهولة إن أردنا.