يشكل القطاع الصحي، مجالاً حيوياً وغنياً بالمعلومات حول الكثير من القضايا الاجتماعية، فهو المرآة التي تظهر فيها الآثار المرئية وغير المرئية لقضية مثل تزويج القاصرات. إن عمل مؤسسة عامل لسنوات طويلة وخلال أحلك الظروف في هذا القطاع أعطى فريقها الإمكانية للاطلاع المباشر والدقيق حول نتائج هذه الظاهرة وتبعاتها، فاستطاع فريقها رصد تبعات هذه الظاهرة بالكثير من الجوانب الصحية والنفسية عند النساء والأطفال،  لذلك حرصت المؤسسة منذ انطلاقتها على تخصيص برامج صحية – تنموية للتمكين الاقتصادي والمهني والتعليمي الذي يساهم في حمايتها وتحصين أسرتها بمواجهة معضلات اجتماعية كالتزويج المبكر والعنف الجندري والصحة الإنجابية وغيرها من القضايا. لقد شهد فريق المؤسسة، طيلة 40 عاماً من الخبرة، أن التزويج المبكر يلقي بنتائجه السلبية ليس فقط على جسد المرأة وبنيتها النفسية، وإنما على حقوق الإنسان والطفل والناتج الاقتصادي والنمو الاجتماعي والتقدم العلمي، كلها مجالات تتأثر بهذه الظاهرة بشكل جذري.

ظلت المرأة وقضاياها في مركز اهتمامات عامل بمرحلتي الطوارئ والتنمية على حد سواء، ذلك أن قضاياها ترتبط أيضاً بنجاح ومصير أهم خلية اجتماعية، وهي الأسرة، فجعلت 80% من عامليها من النساء، وفي العام 2017 أطلقت مشروعاً خاصاً للتوعية ضد التزويج المبكر والتخطيط الاسري والصحة الإنجابية بالشراكة مع UNFPA   صندوق الأمم المتحدة للسكان، إذ يعتمد هذا المشروع على تثقيف أقران الفتيات ووضعهن في مسؤولية التوعوية المجتمعية وخلق المبادرات لمساعدة المجتمعات المحلية على النهوض والتنمية الذاتية، وبالفعل ساهم هذا المشروع بترك أثر في حياة مئات النساء والفتيات وحتى الرجال الذين تابعوا دورات تثقيف وتوعية وأصبحوا مناصرين لحماية الفتيات.

طفلات في الحديقة يتفاعلن مع المشهد

أما أولئك الفتيات اللواتي أصبح صوتهن مسموعاً، فيواظبن على اتخاذ مبادرات مجتمعية يسلطون عبرها الضوء على قضيتهم، ومن ضمنها المشهد التمثيلي الفني الذي اختار فريق المتطوعين التابع للمشروع تأديته في حديقة مدينة بعلبك العامة. فالمشهد الذي يستحضر رقصة تعبيرية حول العنف ضد الفتيات، يبرز أيضاً حياتها قبل وبعد التزويج المبكر، في محاولة لإيصال رسالة للحاضرين، وقد شهد تفاعلاً كبيراً من روّاد الحديقة، أطفالاً ونساءا ورجالاً، الذين تجرأ بعضهم للتعبير ومشاركة الحاضرين بقصتهم مع هذه القضية وانعكاساتها، وهو تماماً ما تطلع إليه فريق أداء هذا المشهد التعبيري، خلق حوار في المجتمع لكي يراجع مؤيدو تزويج القاصرات أرائهم ويرون الموضوع من زاوية مختلفة. فكانت فرصة لتوزيع مناشير توعوية وفتح نقاش في مساحة عامة عبر الفن، كما سيتبع ذلك حملة مناصرة على وسائل التواصل الاجتماعي بغرض نشر التوعية حول المسألة، يقودها متطوعون من السوريين واللبنانيين سوياً.

لوحة الأحلام المسروقة

مشكلة عالمية

لا بد من الإشارة، إلى أنه في العالم العربي، يتم تزويج حوالي 49 ألف طفلة سنوياً تحت سن الـ18، ومن المتوقع أن يصل عدد الفتيات المجبرات على الزواج المبكر في عام 2020 إلى 150 مليوناً، 50% منهم تحت سن الـ 15 عامًا! ومن المتوقع بحسب الأمم المتحدة أن تصل هذه الأعداد إلى1.2  بليون في العالم بحلول العام 2050. في القاموس الإنساني، تتعدى هذه الوقائع كونها قضية مرتبطة بالمرأة والزواج، لتكون عقبة حقيقية أمام التنمية الاجتماعية بكل أشكالها.

في دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف في لبنان، كشفت عن أن 23% من النساء السوريات المقيمات في لبنان اليوم تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18 عاما، ومن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 12و17 عاما، فإن هناك 4454 فتاة تزوجن قبل أن يبلغن سن البلوغ  عام 2015، وهي نسبة مساوية لنسبة 6.3%.

تفاعل كبير من قبل روّاد الحديقة